المسؤولية المدنية



                        المسؤولية المدنية

       المسؤولية المدنية: هي المسؤولية التي تهدف إلى جبر الضرر (التعويض) الذي يصيب المضرور و المسؤولية المدنية نوعان، إما مسؤولية عقدية و التي هي جزاء إخلال المدين بإلتزام عقدي و إما مسؤولية تقصيرية و هي جزاء إخلال الشخص بإلتزام قانوني مفروض عليه.

       المسؤولية العقدية: إذا نشأ العقد صحيحا و ذلك بتوفر شروط صحته على المدين تنفيذ ما إلتزم به تنفيذا عينيا متى كان ذلك ممكنا و ذلك طبقا للمادة 164.ق.م. فإذا كان التنفيذ العيني ممكنا و تمسك به الدائن يجبر المدين على هذا التنفيذ و بالتالي لا تثار المسؤولية العقدية في حالة التنفيذ العيني الممكن.

       أما إذا كان التنفيذ العيني غير ممكن و في هذه الحالة لم يبق للدائن سوى المطالبة بالتعويض الذي يستجيب له القاضي فهنا تثار المسؤولية العقدية بإعتبارها جزاء إخلال المدين في تنفيذ إلتزامه العقدي و هذا ما نصت عليه المادة 176 ق.م بقولها.

       " إذا استحال على المدين أن ينفذ الإلتزام عينا حكم عليه بالتعويض لعدم الوفاء بإلتزامه".

       - و يتبين مما سلف ذكره أن المسؤولية العقدية لا علاقة لها بالتنفيذ العيني لإلتزام العقد بل تقوم هذه المسؤولية إذا ثبت أن المدين لم ينفذ إلتزامه العقدي تنفيذا عينيا و في نفس الوقت لم يستطع أن يثبت أن إستحالة التنفيذ راجع إلى سبب أجنبي.

       نطاق المسؤولية العقدية: يتحدد نطاق المسؤولية العقدية بشرطين اساسين هما:
       1- قيام عقد صحيح يربط الدائن بالمدين و ينشأ إلتزامات بين الطرفين.
       2- تحقق ضرر نتيجة الإخلال بالإتزام العقدي إذا لا بد أن يترتب عن إخلال المدين بإلتزامه أو التأخر في تنفيذ الإلتزام.

       و ما تجدر الإشارة إليه أن هذا الضرر لا بد أن يكون نتيجة طبيعية للخطأ.

       أركان المسؤولية العقدية: تقوم المسؤولية العقدية على ثلاثة أركان هي:
الخطأ العقدي، الضرر، علاقة السببية.

       الركن الأول: الخطأ العقدي في إخلال المدين بإلتزامه و ذلك سواء بعدم تنفيذه للإلتزام أو تأخره عن ذلك، فالمدين الذي يلتزم بموجب عقد يجب عليه تنفيذ ما إلتزام به فإن لم يقع بذلك كان مخطئا و هذا هو الخطأ العقدي و هنا يجب التميز بين نوعين من الإلتزام.

       1- الإلتزام لتحقيق النتيجة أو غاية يتمثل الخطأ العقدي في هذا النوع من الإلتزام إذا لم يحقق المدين النتيجة المتفق عليها.

       2- الإلتزام لبذل عناية: يتحقق الخطأ العقدي في هذا الجزء للإلتزام إذا ثبت أن المدين لم يذل العناية المطلوبة في تنفيذ إلتزامه.

       الركن الثاني: الضرر يعد الضرر ركنا أساسيا لقيام المسؤولية العقدية إذا لابد من تحققه حتى تترتب مسؤولية المدين و يقع أيضا عبء إثبات الضرر على الدائن لأنه هو الذي يدعيه و الضرر الذي يصيب الدائن قد يكون ماديا و قد يكون أدبيا وسنتناول أصناف الضرر ومدى التعويض عن الضرر.

       - الضرر الذي يعوض عنه في المسؤولية العقدية هو الضرر المباشر       و المتوقع فقط أما الضرر غير المباشر فلا يعوض عنه لا في المسؤولية لعقدية و لا التقصيرية.
       - الضرر المباشر: هو الضرر الذي يكون نتيجة طبيعية لعدم تنفيذ الإلتزام أو التأخر فيه و يكون كذلك إذا لم يكن بإستطاعة الدائن أن يتجنبه ببذل جهد معقول و هذا ما نصت عليه المادة 182/ ق.م.

       - الضرر المتوقع: يعتبر الضرر متوقعا إذا كان الرجل المعتاد ( الرجل العادي) يتوقع حصوله من جراء عدم تنفيذ العقد و لو كان المدين ذاته لم يتوقعه وبالعكس فالضرر يعتبر غير متوقع إذا لم يكن الشخص أو الرجل العادي يتوقع حصوله إذن فالضرر المتوقع هو الضرر الذي كان يمكن توقيعه عادة و هذا ما يستخلص من أحكام المادة 182/ 2 ق.م و يتجلى من هذا النص أن قياس الضرر المتوقع يكون بمعيار موضوعي على يتمثل في الرجل العادي الذي يكون في مثل الظروف الخارجية التي يوجد فيها المدين و يتوقع الضرر.

       الركن الثالث: علاقة السببية لا يكفي أن يخطأ المدين و أن يتضرر الدائن من ذلك بل لابد أن يكون خطأ المدين هو السبب في وقوع الضرر بمعنى أن تكون هناك علاقة سببية بين الخطأ و الضرر، و بالرغم من أن المشرع لم يشير صراحة إلى وجوب توفر ركن علاقة السببية إلا أنه من المؤكد أن السببية ركن جوهري في كافة صور المسؤولية المدنية.

       إتفاقات المسؤولية العقدية: تترتب المسؤولية العقدية عن إخلال المدين بإلتزامه العقدي و لما كان العقد وليد إرادة المتعاقدين فلهما أن يعدلا من قواعد المسؤولية الناجمة عن العقد بشرط مراعاة قواعد النظام العام و الأداب العام و هذا ما قصد المشرع في المادة 172 ق.م بحيث يجوز الإتفاق على إعفاء المدين من أية مسؤولية تترتب عن عدم تنفيذ المدين لإلتزامه العقدية إلا ما ينشأ عنه من غش     أو عن خطئه الجسيم كما يبطل كل شرط يقضي بالإعفاء من المسؤولية الناجمة عن العمل الإجرامي و يتضح من هذا النص انه يمكن الإتفاق على تشديد المسؤولية العقدية للمدين أو التخفيف منها و لكن لا يجوز المساس بقواعد المسؤولية التقصيرية لأنها من النظام العام.

       المسؤولية التقصيرية ( الفعل المستحق بالتعويض): طبقا لأمر رقم 58/75 المؤرخ في 29-09-1979 المتضمن القانون المدني الجزائري يعتبر الفعل المستحق بالتعويض أو كما يسميه البعض الفعل الضار المصدر الثالث للإلتزامات المدنية و ذلك بعد القانون و العقد.

       و يقصد بالفعل المستحق بالتعويض المسؤولية المدينة التقصيرية و هي المسؤولية التي يتحملها الشخص نتيجة إخلاله لإلتزام قانوني بسبب خطئه أو إهماله.
       - و بالرغم من أن المسؤولية المدينة ما هي إلا جزءا من القانون المدني إلا أنها إحتلت مكانه بالغة لدى الباحثين ورجال القانون و نظرا لأهمية المنازعات المرتبطة بهذه المسؤولية و التي من خلالها تبين أن الأساس القانوني التقليدي لهذه المسؤولية و المتمثل في الخطأ لم يعد كافيا لتأصيل هذه المسؤولية مهما أدى إلى ظهور أساس آخر يتمثل في المسؤولية الموضوعية العينية على الضرر.

       - ولأجل توضيح مكانه و أهمية المسؤولية المدنية التقصرية لا بد من توضيح مفهومها هذا من جهة و من جهة أخرى لا بد من إلقاء نظرة و لو سريعة على التطور التاريخي لهذه المسؤولية حتى يتسنى للدارس فهم تطور الأساس القانوني لهذه المسؤولية وبروز فكرة المسؤولية الموضوعية العينية على فكرة الضرر إلى جانب الأساس التقليدي المتمثل في الخطأ.

       مفهوم المسؤولية المدنية و التقصيرية: يقصد بمصطلح المسؤولية تحمل الشخص نتائج أفعاله، و أن المدلول الإغريقي للمسؤولية يعني أن المسؤولية هي تحمل الشخص نتائج أفعاله و من خلال تحديد معني المسؤولية بصفة عامة نحاول البحث عن المقصود بالمسؤولية المدنية و ذلك بتبيان المعاني المختلفة لها            و المسؤولية نوعان إما مسؤولية أدبية و إما مسؤولية قانونية.

       فالإلتزام بتحمل الشخص نتائج أفعاله يمكن أن يكرس في إطار معنوي      و تلك هي المسؤولية الأخلاقية أو في إطار قانوني و هي تلك المسؤولية القانونية التي تهمنا.

       المسؤولية القانونية: هي الجزاء الذي يترتب على الشخص عند إخلاله بقاعدة من قواعد السلوك و بعبارة أخرى أن الإلتزام بتحمل نتائج الفعل على المستوى القانوني لها رتبت القاعدة القانونية أثارا أو نتيجة على مستوى السلوك الإنساني و من هنا تتميز المسؤولية القانونية عن المسؤولية الإخلاقية التي قوامها موضوعي أي هي مسؤولية شخص أمام شخص أو مسؤولية شخص أمام المجتمع   و بالتالي المسؤولية الأدبية أوسع نطاق من المسؤولية القانونية فالأولي تخص علاقة الشخص بضميره و بنفسه فقط بينما المسؤولية القانونية تخص علاقة الشخص بغيره من ذلك و تتنوع المسؤولية القانونية بتنوع الأحكام المنظمة للسلوك الإنساني إلا اننا نقتصر دراستنا على مسؤوليتين و هما المسؤولية الجنائية قد تؤثر في بعض الأحيان على المسؤولية المدنية التقصرية و عليه ندرس:

       - التمييز بين المسؤولية الجنائية و المسؤولية المدنية التقصيرية.
       - تأثير المسؤولية الجنائية على المسؤولية المدنية التقصيرية.

       1- التمييز بين المسؤولية الجنائية و المسؤولية المدنية التقصيرية: قبل التمييز بين المسؤوليتين لا بد من تعريف كل واحدة منهما:

       أ- تعريف المسؤولية الجنائية: المسؤولية الجنائية هي حالة الشخص الذي يقترف فعلا يجرمه نص من نصوص قانون العقوبات و بالتالي يجعل نتيجة ذلك الفعل علما وأن قانون العقوبات هو الذي يحدد الجرائم و العقوبات المقررة لها.

       ب- تعريف المسؤولية المدنية: هي الإلتزام بتعويض ضرر ناتج عن الإخلال بالتزام قانوني أو عقدي تلك المسؤولية العقدية.
       التمييز بين المسؤولية الجنائية و المسؤولية المدنية: لم تنفصل المسؤولية المدنية عن المسؤولية الجنائية إلا في عصر القانون والكنسي وأن هذا الإنفصال أدى إلى تحديد مضمون المسؤولية المدنية ووضع المبادئ التي تقوم عليها وأن هذا المضمون و المبادئ التي أسست عليها المسؤولية المدنية جسدت الفوارق القائمة بينها و بين المسؤولية الجنائية.

       أ- من حيث النطاق: نطاق المسؤولية الجنائية محدد المعالم إذ لم مبدأ شرعية الجريمة ( المادة 1 ق.م) هو الذي حدد نطاق المسؤولية الجنائية بمعنى أن المشرع هو الذي حدد الأفعال التي تشكل الجريمة وحدد أيضا العقوبة المقررة لها بينما نطاق المسؤولية المدينة التقصيرية فهو غير محدد إذ أن الشرع قد نص في القواعد العامة على مبدأ المسؤولية المدنية يتمثل في ضرورة تحقق ضرر ناتج عن تصرف ما (طبقا للمادة 124 ق.م) و بالتالي يتجلى أن المشرع لم يحدد نطاق المسؤولية المدينة التقصيرية مما يؤدي إلى القول أن نطاقها غير محدد.

       ب- من حيث وظيفة المسؤوليتين: تهدف المسؤولية الجنائية إلى حماية المجتمع من السلوكات التي تخل بقيمه الأساسية بمعنى أن هذه المسؤولية تهدف إلى حماية كيان المجتمع و الدفاع عن المصلحة العامة بينما تهدف المسؤولية المدنية إلى حماية المصالح الشخصية أي حماية المضرور من الأضرار التي تلحقه من طرف الغير.

       وبسبب إختلاف وظيفة المسؤوليتين فبالتبعية فإن الجزاء يختلف في المسؤوليتين إذ يتمثل الجزاء في المسؤولية الجنائية في العقوبة التي توقع على مرتكب الجريمة شخصيا و حسب النص الجنائي الذي قرر هذه العقوبة.

       وتختلف العقوبة الجنائية حسب طبيعة الجريمة المرتكبة (جناية، جنحة، مخالفة) بينما الجزاء في المسؤولية المدينة التقصيرية هو التعويض الذي يهدف إلى إصلاح الضرر الذي أصاب المضرور.
       وما تجدر الإشارة إليه أن بالنسبة للعقوبة الجزائية فإن النيابة العامة بإعتبارها المحركة للدعوى العمومية، فهي التي تلتمس العقوبة عن المتهم           و للمحكمة السلطة التقديرية في ذلك.

       أما في الدعوى المدنية فالمضرور هو الذي يطلب التعويض ولا يمكن للمحكمة أن تحكم له بذلك إذا لم يطلب المضرور التعويض.

       ج- من حيث الإجراءات: عند وقوع أي جريمة فالمجتمع هو الذي يتأثر منها فهو الذي يتصدى لها و يتحرك بواسطة جهاز النيابة العامة الممثل من طرف النائب العام أو وكيل الجمهورية لتحريك الدعوى العمومية بإسم المجتمع ضد مقترف الجريمة و لتقديمه للمحاكمة بينما الدعوى التي تخص الفرد المضر فهو الذي يتولى تحريك الدعوى المدنية بنفسه أو من ينوب عنه.

       د- من حيث الأساس: تختلف المسؤولية الجزائية عن المدنية من حيث الأساس فالمسؤولية الجزائية تقوم على الخطأ الجزائي الذي يخضع لمبدأ الشرعية الجرائم و العقوبات " بمعنى أن الأخطاء الجزائية معروفة مسبقا و محددة و هي مقيدة بسلطة القاضي الجزائي أما في المسؤولية المدنية فالخطأ المدني لا يخضع لمبدأ الشرعية بل أكتفى المشرع بوضع قاعدة عامة تلزم كل من تسبب في ضرر ألحقه بالغير صادر منه أو من هو مسؤول عنه أو بفعل شيء كان تحت حراسة يلزم بالتعويض.

       و دون أن يحدد المشرع هذه الأفعال بمعنى أن الخطأ المدني غير محصور كما هو عليه في القانون الجنائي.

       و ما تجدر الإشارة إليه أن الخطأ المدني لم يعد الأساس الوحيد للمسؤولية المدنية التي عرفت تطورا كبيرا أدى إلى ظهور أساس آخر و هو المسؤولية المدنية بدون خطأ التي تقوم على فكرة تجعل التبعة و فكرة المخاطر و كذلك فكرة الضمان.
       و- من حيث التقادم: تسقط الدعوى المدنية كقاعدة عامة بمضى 15 سنة   و ذلك طبقا لأحكام المادة 308 ق.م أما في الدعوى العمومية يختلف فيها التقادم حسب طبيعة الجريمة إن كانت جناية 10 سنوات إن كانت جنحة تسقط بمضى     3 سنوات و إن كانت مخالفة تسقط بمضى سنتين.

       ومن خلال مواعيد التقادم السالفة الذكر يتجلى أن المشرع لم يوحد مدة التقادم إذا كانت الدعوى المدنية ناتجة عن جريمة كما ذهبت إليه معظم القوانين المقارنة مثل القانون المدني الفرنسي الذي و حد مدة التقادم في الدعوى المدنية الناتجة عن الجريمة حيث قضى أن سقوط الدعوى المدينة بالتقادم يؤدي أيضا إلى سقوط الدعوى المدنية الناتجة عنها.

       تأثير المسؤولية الجنائية على المسؤولية المدنية: الأصل أن كل فعل يشكل جريمة تنحدر عنه المسؤوليتين معا الجناية و المدنية بحيث يكون مقترف الجريمة مسؤولا جنائيا من حيث المجتمع و ذلك لخرقه قاعدة سلوك إجتماعية و في نفس الوقت يكون مسؤولا مدينا اتجاه الضحية المتضررة مباشرة من الجريمة مثال ذلك جريمة قتل يكون فيها الشخص مسؤولا عن الجريمة في حد ذاتها أمام المجتمع الذي يتحرك ضده بواسطة النيابة العامة التي تلاحقه و تحيله على المحاكمة و يكون أيضا هذا الشخص مسؤولا أمام الضحية أو ورثتها المتضررين من هذه الجريمة فهناك دعويين الأولى جزائية و الثانية مدنية و بالرغم من اختلاف الدعويين من حيث الهدف إلا أنهما مرتبطتان ببعضهما البعض بحيث أن كل واحدة منها تؤثر على الأخرى فالدعوى المدنية قد تأثر أحيانا على الدعوى الجنائية و كذلك الدعوى الجنائية تؤثر أحيانا على الدعوى المدنية.

       1- أثر الدعوى المدنية على الدعوى الجنائية: يتجلى تأثير الدعوى المدينة على الدعوى الجنائية في كون أنه بإستطاعة الضحية أو ورثتها في بعض الأحيان تحريك الدعوى العمومية التي هي أصلا من حق النيابة العامة التي قد لا تنوي تحريك الدعوى العمومية لسبب ما فيمكن للمتضرر من خطا جزائي أن يتقدم بشكوى مصحوبة بتأسيسه كطرف مدني إلى قاضي التحقيق وهذا طبقا لمبدأ نسبية حق المتابعة (راجع المادة 72 ق.إ.ج).

       2- أثر الدعوى الجنائية على الدعوى المدنية: إذا كان العمل الغير مشروع ( الفعل الضار) يشكل في نفس الوقت جريمة ففي هذه الحالة يكون للمضرور حق إختيار الجهة القضائية التي يتقدم أمامها لطلب التعويض فإذا اختار المضرور القضاء الجزائي ليتأسس أمامه طرفا مدنيا منيا و يطلب التعويض فهذه الحالة لا تطرح أي إشكال بحيث بعد أن يفصل القاضي الجزائي في الدعوى العمومية يفصل بعد ذلك في الدعوى المدنية و إذا أدان القاضي الجزائي المتهم و عاقبه يحكم بعد ذلك للضحية بالتعويض على ضوء الطلب الذي تتقدم به أما إذا برء القاضي الجزائي المتهم فعليه إما أن يحكم بعدم الإختصاص في الدعوى المدنية أو يفضل في قيمة التعويض.

       إما إذا قررت الضحية أو المضرور رفع دعواه المدنية أمام القضاء العادي   ( المحكمة المختصة) ففي هذه الحالة تكون الدعوى الجنائية و المدنية منفصلتان عن بعضهما البعض وهنا تتجلى هيمنة الدعوى الجنائية على الدعوى المدنية مما يتعين مراعاة المبادئ التالية:

       1-الجنائي يعقل المدني: يقصد بهذا المبدأ أنه إذا كانت الدعوى المدنية المرفوعة أمام المحكمة المدنية لها علاقة بدعوى جزائية مرفوعة أمام القاضي الجزائي فإنه يتعين على القاضي المدني أن يوقف الفصل في الدعوى المدنية لحين الفصل في الدعوى الجزائية و هذا ما يستخلص من المادة 4 إ.ج.

       2- حجية الحكم الجنائي على الحكم المدني: يقصد بهذا المبدأ أنه إذا كانت الدعوى المدنية مرتبطة بحكم جزائي فإنه لا يمكن للقاضي المدني أن يصدر حكما يتعارض مع ما ذهب إليه القاضي الجنائي في حكمه و قد جسدت المادة 339 ق.م بكل وضوح هذه الحجية وحددت مجالها بالقول " أن القاضي المدني لا يرتبط بالحكم الجنائي إلا في الوقائع التي فصل فيها هذا الحكم و كان فصله فيها ضروريا" بمعنى أن القاضي المدني مقيد إلا بالوقائع التي حددها الحكم الجنائي فلا يمكنه إضافة      أو تعديل أية واقعة لكنه غير مقيد بالتكييف القانوني لتلك الوقائع فمثلا إذا قضى الحكم الجنائي أن واقعة التزوير غير ثابتة فعلى القاضي المدني أن يتقيد بهذه الواقعة و يقضي بصحة السند أما إذا قضى الحكم الجنائي أن الواقعة ثابته و لكنها لا تشكل جريمة فهذا التكييف لا يقيد القاضي المدني فمثلا: إن الواقعة المتمثلة في قضية الحال لا تشكل نصب و إحتيال لعدم توفر أحد أركان هذه الجريمة إلا أن القاضي المدني يستطيع إلزام الشخص بأن يرد المال الذي قبضه.

       3- أثر تقادم الدعوى الجنائية على الدعوى المدنية: لقد كرس القانون المدني الفرنسي مبدأ هيمنة الدعوى العمومية على الدعوى المدنية فقد قرر سقوط الدعوى المدنية بمجرد سقوط الدعوى العمومية بينما يأخذ المشرع الجزائر بعكسه فتنقض الدعوى العمومية الناتجة عن الجريمة طبقا لأحكام القانون المدني أما الدعوى الجنائية تسقط حسب طبيعة الجريمة طبقا للمواد 9.8.7. ق.إ.ج.

       1- المسؤولية المدنية وأنواعها: كما سلف المذكر سابقا العمل المستحق للتعويض يرادف فكرة المسؤولية المدنية، و هذه الأخيرة أما مسؤولية عقدية و إما المسؤولية تقصيرية: هذا الإخلال بإلتزام قانوني واحد لا يتغير (ثابت) و يتمثل في عدم الإضرار بالغير.

       أما المسؤولية العقدية هي الإخلال بإلتزام عقدي الذي يمكن تحديده من خلال إلتزامات الأطراف و بسبب إختلاف المسؤوليتين من حيث مفهومها و نظامها القانونيى، فذهب جانب من الفقه إلى التمييز بينهما و إعتبر المسؤولية المدنية مسؤولية مزدوجة بينما جانب أخر من الفقه ذهب إلى إعتبار المسؤولية المدنية واحدة سواء كانت عقدية أو تقصيرية و هذا هو مبدأ واحدة المسؤولية المدنية.

       التمييز بين المسؤولية العقدية و التقصيرية: تتميز المسؤولية التقصيرية عن المسؤولية العقدية من حيث النظام القانوني الذي يحكم كل من المسؤوليتين و كذلك من حيث مجال التطبيق إلا أنه إذا توفر في الفعل الواحد أحكام المسؤوليتين معا فهل للمضرور أن يختار نوع المسؤولية التي يمكنه الاستناد عليها لرفع دعوى التعويض و بعبارة أخرى أننا نطرح الإشكال الكلاسيكي المتمثل في مسألة الخيرة بين المسؤوليتين العقدية و التقصيرية.

       أ- الإعذار: يلعب الإعذار دورا رئيسيا في مجال المسؤولية العقدية بحيث يكون الدائن ملزما بإعذار مدنية الذي لا ينفذ إلتزامه أو التأخر في ذلك، وذلك قبل مرافعته في طلب التعويض فلإعذار شرط ضروري لإستحقاق التعويض في المسؤولية العقدية المادة 197 ف.م.ج بينما في المسؤولية التقصيرية لا مجال للإعذار و هذا أمر طبيعي لأن المسؤول المدني لا يعرف الضحية إلا بعد وقوع الضرر لهذا استبعدت المادة 181 ق.م الإنذار في حالة التعويض الناتج عن العمل غير المشروع.

       ب- التضامن: هوحق الدائن في المطالبة في آن واحد من المدينين         أو المسؤولين عن الضرر الذي تسببوا فيه أو يختار أحدهم فمسألة التضامن لا تثار إلا في حالة تعدد المدينين إتجاه الدائن أو تعدد المسؤولين عن الضرر إتجاه الضحية أو المضرور فالمسؤولية العقدية التضامن لا يثبت إلا بإتفاق مسبق بين الدائن       و المدينين أما في المسؤولية التقصيرية يكون التضامن منصوصا عليه في القانون    و مثال ذلك ما نصت عليه المادة 126 ق.م بقولها " إذا تعدد المسؤولون عن الضرركانوا متضامنين.

       ج- الأهلية: في المسؤولية العقدية تشترط أهلية التعاقد( أهلية. الأداء) بينما في المسؤولية التقصيرية تكفي أهلية التمييز.

       د- عبء الإثبات: يقع عبء الإثبات على المسؤولية العقدية على المدين الذي يجب عليه أن يثبت أنه نفذ إلتزامه العقدي، بينما في المسؤولية التقصيرية يقع عبء الإثبات على المضرور (الدائن) الذي يتعين عليه إثبات الخطأ في جانب المسؤول.

       و- الضرر الذي يعوض عنه: الضرر الذي يعوض عنه في المسؤولية العقدية هو الضرر المباشر و المتوقع أما في المسؤولية التقصيرية فالضرر الذي يعوض عنه هو الضرر المباشر سواء كان متوقعا أو غير متوقع.

       هـ- شرط الإعفاء من المسؤولية أو تحديدها: لا يخص شرط الإعفاء من المسؤولية أو تحديدها إلا الأطراف الذين يربطهم اتفاق أو عقد أي أن الأطراف المتعاقدة هي التي تستطيع الإتفاق على تعديل قواعد المسؤولية العقدية، و ذلك إما بالإعفاء منها كلية أو جزئيا شرط أن لا يكون عدم التنفيذ ناتجا عن خطأ أو غش جسيم من المدين المادة 178/2 ق.م فيما يجوز للأطراف المتعاقدة تحديد مسؤولية المدين في حالة عدم تنفيذه لإلتزامه، بينما في المسؤولية التقصيرية لا يجوز تعديل قواعدها بالإعفاء و لا بالتخفيف منها لأن قواعدها من النظام العام و هذا ما قضت به المادة 178/3 ق.م.

       نطاق أو مجال كل من المسؤوليتين العقدية و التقصيرية: يصعب أحيانا تحديد نطاق المسؤوليتين و ذلك لتقارب النظامين و مع ذلك عملا بالقاعدة أن كل ما هو خارج عن المسؤولية العقدية يدخل حتما ضمن المسؤولية التقصيرية مما يتعين تحديد مجال المسؤولية العقدية الذي على ضوئه يمكن تحديد مجال المسؤولية التقصيرية فمجال المسؤولية العقدية محدد بوجود العقد سواء تمثل في عدم التنفيذ أو أي تأخر فيه تنجر عنه حتما المسؤولية العقدية أما خارج دائرة العقد فإن دعوى التعويض تحركها قواعد المسؤولية التقصيرية إذا يتبين أن المجال العقدي هو الفاصل بين المسؤوليتين لكن ما تجدر الإشارة إليه أن القيمة التطبيقية في هذا التمييز لا تظهر إلا إذا أخذنا بمبدأ إزدواجيه المسؤولية المدنية.

       مسألة الخيرة بين المسؤوليتين العقدية و التقصيرية: إنطلاقا من الفوارق الموجودة بين المسؤوليتين و التي سبق ذكرها و كذلك بإعتبار أن المسؤولية التقصير هي الشريعة العامة و المسؤولية العقدية هي الإستثناء كون أن مجالها محدد بوجود العقد الذي يربط الطرفين فالمسؤول هل يمكن للشخص الذي يربطه عقد بشخص آخر أن يستبعد أحكام المسؤولية العقدية ليلجأ إلى المسؤولية التقصيرية إذا توافرت شروط المسؤوليتين في الفعل الضار الذي أصابه بمعنى آخر نقول هل يجوز للشخص أن يختار بين المسؤوليتين إذا توفرت أحكامها في فعل واحد؟.

       - لقد إختلف القفه و القضاء بخصوص هذه المسألة فهناك من أي فكرة الخيرة و هناك من رفضها، فجانب من الفقه الفرنسي أيده في ذلك جانب من القضاء رفض فكرة الخيرة بين المسؤولية التقصيرية و المسؤولية العقدية بحجة أن لكل من المسؤوليتين أحكامها و نظامها مما يتعين إحترام هذا النظام و تلك الأحكام و في هذا السياق ذهبت المحكمة النقص الفرنسية في قرارها أصدارته بخصوص مسألة الخيرة و التي رفضها تماما و جاء فيها ما يلي:

       "إن أحكام المواد 1382 و ما يليها هي أجنبية عن علاقات الأطراف المتعاقدة و لا يمكن الإستناد عليها لطلب التعويض عن ضرر ناتج عن الإخلال بإلتزام عقدي"، هذا القرار القضائي يجسد بكل وضوح رفض فكرة الخيرة من القضاء الفرنسي أما جانب آخر من الفقه و القضاء يؤيد فكرة الخير بين المسؤوليتين بحجة أن المسؤولية التقصيرية هي النظام و لا يكن إستبعادها و بالتالي إذا توفرت شروط هذه المسؤولية بجانب المسؤولية العقدية فلا ما نع للسماح للمضرور بالإعتماد عليها بالرغم من وجود العقد.
       بالنسبة للفقه الجزائري الذي ناقش فكرة الخيرة على ضوء أحكام المسؤولية المدنية من القانون المدني الجزائري فقبل فكرة الخيرة بحجة أن المشرع قد نظم كل من المسؤوليتين العقدية و التقصيرية على حدى.

       و إذا أجزنا للمضرور الإستناد على قواعد المسؤولية التقصيرية رغم وجود العقد فهذا سوف يؤدي حتما إلى إزالة القيمة القانونية للنصوص الخاصة بالمسؤولية العقدية التي تصبح بدون جدوى.
       - كل عمل أي كان يرتكبه المرء و يسبب ضرار للغير يلزم من كان السبب في حدوثه بتعويض و ما تجدر الإشارة إليه أن هذا النص سقط عبارة الخطأ و ذلك مقارنة بنص اللغة الفرنسية تكرس هذه المادة بكل وضوح مبدأ عام.

       يمثل المسؤولية عند الفعل الشخصي القواعد العامة التي يمكن الإستناد عليها في حالة عدم و جود قواعد خاصة يمكن تطبيقها و يتبين من قواعد المادة أن الفعل المشترك للمسؤولية على الفعل الشخصي الذي يقترفه الشخص فيكون مسؤولا شخصيا و يتحمل التعويض.

       - وما تجدر الإشارة إليه عند قراءة النص باللغة العربية توحي كأن المشرع لم يشترط في الفعل الشخصي سوى إحداث الضرر بالغير و ذلك بعض النظر عن طبيعة هذا السلوك إن كان يشكل خطأ أم لا يمكن كما سلف ذكره أن نص اللغة العربية سقطت منه عبارة الخطأ التي تضمنتها المادة 124 بالغة الفرنسية و لأجل قيام المسؤولية عن الفعل الشخصي لا بد من توفر ثلاثة أركان هي الخطأ الضرر علاقة السببية بين الخطأ و الضرر و بما أن ركني الضرر و علاقة السببية هما ركنان مشتركان بكل أنواع المسؤولية المدنية التقصيرية و العقدية فنختصر على دراسة الركن الأساسي للمسؤولية عن الفعل الشخصي و المتمثل في الخطأ. 

       - الخطأ: يعتبر الخطأ الركيزة الأساسية التي تقوم عليها المسؤولية التقصيرية عن الفعل الشخصي مما يعين علينا البحث عن مفهوم الخطأ غير أنه في بعض الأحيان قد تحقق بعض الإعذار فتنزل عن الخطأ غير المشروع فلا يترتب عليه أي مسؤولية تجميد المسؤولية و قد تنتفي.
       مفهوم الخطأ: من المسائل التي إتسع فيها الإختلاف بين الفقه مسألة تعريف الخطأ بحيث تباينت التعاريف للخطأ الذي يستوجب المسؤولية فقد عرف الأستاذ ديجو الخطأ بأنه إعتداء على حق الغير مع إدراك المعتدي بإعتدائه.

       - أما الأستاذ حو سيران عرف الخطأ بأنه الإضرار بحق الغير دون الإستناد على حق أقوى منه.

       - وأخيرا عرفه الأستاذ مازو الخطأ بأنه سلوك معين لا يأتيه شخص        ذو بصيرة و جد في نفس الظروف الخارجية التي أحاطت بالشخص المخطئ أن الرأي الذي إستقر عليه جل الفقه و القضاء أن الخطأ هو إخلال بإلتزام قانوني        و الإلتزام القانوني الذي يعتبر الإخلال به خطأ هو الإلتزام ببذل عناية بمعنى أن يكون سلوك الشخص مبنيا على يقظة و تبصر يجعلانه يدرك على ما يقدم عليه حتى لا يضر بغيره فإذا الشخص إنحرف عن هذا السلوك و هو مدرك بذلك فكان إنحرافه خطأ يستوجب مسؤولية شخصية و عليه يقوم الخطأ على ركنين إحداهما مادي يتمثل في فعل التعدي و الآخر معنوي يتمثل في الإدراك و التمييز.

       1 الركن المادي ( التعدي): يتمثل الركن المادي للخطأ في التعدي الذي يجسده الإنحراف أو الإخلال بواجب ما و دراسة التعدي تقتضي تحديد مجاله ثم البحث عن معيار تقديره.

       تحديد مجال التعدي: يتحقق التعدي عند خروج الشخص عن حدود الحق     و هذه هي النظرية الكلاسيكية للخطأ أو عند إستعماله للحق بصفة تعسفية و هذه هي النظرية الحديثة للخطأ.
       فالصورة الأولى: التعدي بسبب الخروج عن الحق: يتحقق التعدي بسبب خروج الشخص عن حدود الحق الممددة له قانونا بمعنى الفعل الضار الذي يقترفه الشخص يكون نتيجة خرقه لقاعدة قانونية أو واجب قانوني و إذا كانت المادة 124 مدني قد ربطت المسؤولية المدنية التقصيرية بفعل الإنسان فقد يفهم من ذلك عند قيام الخطأ يستلزم دائما موقفا إيجابيا من صاحب الفعل لكن في الحقيقة أن الموقف السلبي أيضا قد يكون مصبر بالإلتزام بتعويض فهل التعدي تكون بسبب فعل إيجابي أو فعل سلبي ولا يكفي أن يتحقق فعل التعدي بل لا بد أن يكون هذا التعدي غير مشروع وأن عدم مشروعية التعدي لا يتوفر إلا بالخروج عن حدود الحق و بالتالي فالسؤال الذي يطرح نفسه هو هل يمكن القول أن الشخص قد خرج عن حدود الحق وللإجابة على هذا السؤال لا بد من التمييز بين وضعين.

       - الوضع الأول: يتمثل في التعدي الناتج عن الجريمة و هذا الوضع لا يطرح إشكال في تحديد الطابع غير المشروع لفعل التعدي إذا كلما إنحدر التعدي عن الجريمة كان غير مشروع ( شرعية الجريمة).

       - الوضع الثاني: المتمثل في التعدي ذي الطابع المدني.
                إذا كان فعل التعدي يكتسى طابعا مدنيا في هذه الحالة فالفعل الذي يشكل خرقا حدود الحق هو الفعل أو التصرف الذي يدخل ضمن أحكام المادة 124        و بالتالي فالقاضي هو الذي يتولى تقدير هذا الفعل للبحث عن طابعه غبر المشروع إذ أن هذه الأفعال لا حصرلها كونها غير مقيدة بل هناك مادة يحكمها مبدأ عدم الإضرار بالغير.

       - الصورة الثانية: التعدي بسبب التعسف إستعمال الحق:
       - لا يتحقق التعدي إلا بسبب الخروج عن الحق كما سبق توضيحه بل يتحقق أيضا عند إستعمال الحق الذي أخذ بها المشرع الجزائري و حدد صورها في المادة 41 ق.م و على هذا الأساس يمكن أن تتحقق المسؤولية المدنية للشخص المتعسف في إستعمال حقه بصفة تعسفية و بالرجوع إلى المادة 41 نجد أن المشرع قد حدد تصور بموجبها يتم تقدير إستعمال التعسفي للحق و هي نية الإضرار، الحصول على فائدة قليلة مقارنة بالضرر الكبير الذي يصيب الغير ، القول على منفعة مشروعة ومن خلال هذه الصورة و الضوابط يتجلى لنا أن المسؤولية المدنية للشخص المتعسف في إستعمال حقه يمكن أن يتحقق.

       معيار تقدير التعدي: يقدر فعل التعدي بالإستناد على المعيار الذي يجرد المسؤول من كل ضرر فيه الشخصية و يعتمد القاضي على موقف الرجل العادي الذي يوضع في نفس الظروف الخارجية التي كان فيها المتعدي لمعرفة ما إذا كان هذا الرجل العادي ينحرف في سلوكه أو لا.

       2 الركن المعنوي للخطأ: إن مجرد التعدي لا يكفي لوحده لتوفر الخطأ كركن للمسؤولية المدنية الشخصية بل لا بد أن يكون الشخص مدركا لفعل التعدي سواء كان ذلك يقصد أو بغير قصد و عليه فالإدراك مرتبط بقدرة الشخص على التمييز فلا مسؤولية بدون تمييز و قد أكد المشروع الجزائري سن التمييز في المادة 42 ق.م السن 16 سنة و عليه فكل من بلغ سن 16 سنة من عمره و كان سليم القوى العقلية كان مسؤولا مسؤولية كاملة عن أفعاله التي ينتج عنها ضرر الغير.

       - و ما تجدر الإشارة إليه أن المشرع الجزائري قد بالغ كثيرا في تحديد سن التمييز بـ 16 سنة و ذلك مقارنة ببعض التشريعات المقارنة منها قانون الإلتزامات التونسي الذي حدد سن التمييز بـ 13 سنة و القانون المصري الذي حدده بـ 7 سنوات.

       - مراعاة مركز الخصوم: على القاضي أن يراعي وضعية الطرفين        و المقصود بالوضعية هي الحالة الإقتصادية للطرفين إذا كان المشرع قد أخذ بمبدأ جواز مطالبة عديم التمييز بالتعويض فما هو أساس هذه المطالبة؟.

       أساس الحكم بالتعويض على عديم التمييز: مما لا شك فيه أنه لا يمكن تأسيس مطالبة عديم التمييز بالتعويض على الخطأ و إلا وقعنا في تناقص مادام أن الغير مميز غبر مدرك و بالتالي فلا يمكن إعتباره مخطئ.
      
فمبدأ مطالبة عديم التمييز بالتعويض يجد أساسه القانوني في قواعد عادلة التي تجسد الإتجاه الموضوعي للمسؤولية المدنية التقصيرية.
      
- وأخيرا ما تجدر الإشارة إليه أن سلطة القاضي في الحكم على عديم التمييز بالتعويض هي جوازية من جهة و هي أيضا إحتياطية من جهة أخرى.
       - إذا أن في الأصل المسؤول المدني لغير المميز هو المطالب بالتعويض      و باعتباره المكلف بالرقابة عليه.
       المسؤولية المدنية للشخص المعنوي: نشير في هذا الصدد أن المسؤولية المدنية للشخص المعنوي تتحقق على النحو الذي تتحقق به المسؤولية المدنية للشخص الطبيعي.

       أساس المسؤولية على الفعل الشخصي: تقوم المسؤولية عن الفعل الشخصي على أساس الخطأ الواجب الإثبات بمعنى أنه يتعين على المضرور أن يثبت الخطأ في جانب المسؤولية و يقع عليه عبء الإثبات إذا أثبت المضرور الخطأ في جانب المسؤول و قع عليه الإثبات إذا أثبت المضرور الخطأ في جانب المسؤول عنه رجع عليه بالتعويض عن الضرر الذي يسببه له إلا انه بإمكان المسؤول أن يبقى الطابع الغير مشروع للخطأ وذلك بإثباته أنه وقت إرتكابه فعل التعدي فإن لديه عذرا من الإعذار التي تناولها المشرع في القانون المدني و هي:

       حالة الدفاع الشرعي و حالة تنفيذ المرؤوس عليه الأمر الصادر من الرئيس و حالة الضرورة.

       أ- الدفاع الشرعي: المادة 182 التي تنص " من أحدث ضرار و هو في حالة دفاع شرعي عن نفسه أو عن ماله أو عن نفس الغير أو عن ماله كان غير مسؤول على ألا يجاوز في دفاعه القدر الضروري و عند الإقتضاء يلزم بتعويض يحدده القاضي.

       - يتجلى من هذا النص أنه إذا وقع الضرر في حالة الدفاع الشرعي فالمسؤولية عن هذا الضرر يستفيد من هذا الضرر إلا أن الدفاع الشرعي يتميز بخصوصيات و التي أخذت من قواعد القانون الجنائي.

         - وما تجدر الاشارة إليه أن نص المادة 42 ق.م يتعارض مع أحكام المادة 49 ق.ع التي تنص أن الحدث البالغ 13 سنة لا يكون إلا محل تدابير الحماية      و التربية وأن الحدث البالغ ما بين 13 سنة و 18 سنة  يمكن أن يكون محل تدابير الحماية أو التربية أو عقوبات مخففة و العقوبة التي تنص عليها المادة 49 تسمح للقاضي الجزائي أن يحكم على الحدث بعقوبة ما بين 10 و 20 سنة أما إذا كانت العقوبة المقررة للشخص البالغ الإعدام و بالتالي الحدث البالغ من العمر 15 سنة يمكن أن يكون محل عقوبة جنائية و مع ذلك فهو غير مسؤولا مدنيا بإعتباره غير مميز و هنا يتجلى التناقص بين النصوص و عدم إنسجام بينهما.

       - و عليه فالشخص المميز يكون مسؤولا شخصيا عن أفعاله الضارة و هذا طبقا للفقرة 1 من المادة 125 ق.م التي تنص " يكون فاقد الأهلية مسؤولا عن أفعاله الضارة متى صدرت منه و هو يميز".

       - فمسؤولية الشخص المميز مسؤولية كاملة أساسها القانوني هو الخطأ الشخصي الواجب الإثبات و بمفهوم المخالفة للفقرة 1 لنص المادة 125 أنه من كان غير مميز وقت إرتكابه للفعل الضار فهو غير مسؤول عن ذلك بإعتباره أنه من فقد تميزه يصبح غير مدرك لأفعاله و يكون غير مميزا لكل من لم يبلغ 16 سنة       و هذا بجكم المادة 114 و أيضا كل من فقد تمييزه بعارض من عوارض الأهلية كالجنون و الغنة و العبر يفقد التمييز يكون وقت أرتكاب الفعل.
       - و ما تجدر الإشارة إليه ان من فقد إرادة تمييزه بواسطة الكحول            و المخدرات فلا يعتبر فاقد التمييز يؤدي إلى الإعفاء من المسؤولية بقدر ما هو ظرف مشدد.

       - إلا أن الفقرة 2 من المادة 125 حددت من مبدأ عدم مسؤولية الشخص غير مميز ذلك بجوازها إمكانية مطالبة الغير مميز بالتعويض و هذا يتجلى من نص المادة 125 غير أنه إذا وقع الضرر من شخص غير مميز لم يكن من هو مسؤول عنه أو تعذر الحصول على تعويض من هذا المسؤول جاز للقاضي أن يحكم على من وقع منه الضرر بتعويض عادل.

       - يتبين من هذا النص أنه يجوز للقاضي أن يحكم على غير المميز بالتعويض واستعمال هذه السلطة الجوازية الممنوحة للقاضي لابد من توفر شرطان.



       أ- عدم وجود مسؤول مدني للشخص غير المميز: يكون غير المميز دائما تحت رقابة الشخص الذي يتولى رقابته و يعتبر مسؤوله المدني و بالتالي إذا اقترف الشخص الغير مميز عملا غير مشروع كان الشخص الرقيب عليه مسؤولا مدنيا.

       - بالرجوع إلى المادة 125/2 يمكن الحكم على غير المميز بالتعويض إذا لم يكن لديه مسؤولا مدنيا و إذا كان لديه مسؤولا مدنيا و لكنه في حالة إعذار وبالتالي غير قادر على تحمل التعويض بينما يكون وضع غير المميز ميسور الحال.

       - و يشرط في الدفاع الشرعي ما يلي:
       1- أن يكون المدافع أمام خطر حقيقي أو على و شك الحال.
       2- أن يكون الدفاع ضد عمل غير مشروع.
       3- أن يكون الدفاع بالقدر الازم بقدر الإعتداء.
       4- أن لا يكون لدى المدافع سبيل آخر يلجأ إليه غير الدفاع الشرعي.

       ب- حالة تنفيذ أمر الرئيس إلى المرؤوس:تنص المادة 129 ق.م.ج " لا يكونون الموظفين العامون و العمال مسؤولون عن أعمالهم التي أضرت بالغير إذا قاموا بها تنفيذا لأوامر صدرت عليهم من رئيس و كانت هذه الأوامر واجبة الطاعة".

       - تناول هذا النص مسؤولية الموظف العام و العامل العام أثناء تنفيذ أوامر تصدر إليهم من رؤسائهم بحث يستطيع كل منهم في حالة وقوع ضرر نتيجة نشاطهم الذي كان تنفيذا لأوامر رؤسائهم و يشترط لكي يتخلص الموظفي العام   والعامل العام من المسؤولية المدنية طبقا للمادة 129 توفر الشروط التالية:

       1- أن يكون من قام بالعمل الضار موظفا عاما و لا مجال لتطبيق هذا النص بالنسبة للأضرار التي تسبب فيها العمال الذين لا يخضعون للوظيف العمومي.
       2- أن يكون الموظف مازال يؤدي أعمال وظيفة عند إبداء أمر الرئيس.
       3- أن يكون الرئيس الذي أصدر الأمر مختص بإصداره كما يشترط أيضا أن يكون الموظفون مختص بتنفيذ الأمر و هذا يفسر إلزامية الموظف بطاعة أمر الرئيس، فإذا أصدر أوامر من رئيس غير مختص كانت غير مشروعة شخصيا عن الأضرار التي ألحقها بالغير تنفيذا لهذه الأوامر.

       ج- حالة الضرورة:
       - نصت المادة 130 من القانون المدني: " من سبب ضررا للغير ليتفادي ضررا كبيرا محدقا به أو بغيره فلا يكون ملزما إلا بالتعويض الذي يراه القاضي مناسبا".
      
- نصت المادة 48 ق.ج على الضرر بقولها: " لا عقوبة على من اضطرته.".
       - و يختلف حكم حالة الضرورة في القانون المدني عن قانون العقوبات إذ يعتبر قانون العقوبات حالة الضرورة ظرفا معفيا للمسؤولية الجنائية بينما يعتبرها القانون المدني ظرفا مخففا لا معفيا.
      
- و يشترط في حالة الضرورة ما يلي:
       1- أن يكون الشخص أمام خطر لا دخل لإرادته فيه.
       2- أن يكون هذا الخطر يهدد النفس لا المال سواء كان نفس المضطر أن نفس غيره.
       3- أن يكون الخطر المراد تفاديه أشد بكثير من الخطر الذي يرتكبه.
      
و ما تجدر الإشارة إليه أن الموازنة بين الضررين و لتقديم ما هو أشد ضررا من الآخر تقاس بالمعيار المحدد و هو مسلك الرجل العادي.
      
- و تجدر الإشارة أن القاضي هو الذي يقدر التعويض الذي يتحمله.

       *- المسؤولية عن عمل الغير: 
       - قد يسأل الشخص عن ضرر لم يرتكبه هو شخصيا بل أحدثه شخص آخر كان تحت مسؤوليته و تلك هي المسؤولية عن فعل الغير التي تنقسم في القانون المدني الجزائر إلى قسمين:

       *- القسم الأول: مسؤولية متولى الرقابة: التي نظمها المشرع في المادتين 134 و 134.
       *- القسم الثاني: مسؤولية المتبوع عن أفعال تابعه: و هذه المسؤولية نظمها المشرع في مادتين أيضا 136 و 137.

القسم الأول: مسؤولية متولي الرقابة: تنص المادة 134 ق.م على ما يلي    " كل من يجب عليه قانونا أو اتفاقا رقابة شخص في حاجة إلى الرقابة بسبب قصره أو بسبب حالته الجسمية أو العقلية يكون ملزما بتعويض الضرر الذي يحدثه الشخص للغير بعمله الضار و يترتب هذا الالتزام و لو من وقع منه العمل الضار غير مميز.
و هذا النص القانوني الذي يستمد مصدره من أحكام المادة 173 من القانون المدني المصري له مجال واسع من حيث التطبيق بحيث يشمل كل من يلزم قانونا   أو اتفاقا مراقبة شخص بحاجة إلى الرقابة و ذلك بسبب قصره أو حالته العقلية     أو الجسمية، و بعد أن أعلن المشرع المبدأ العام لمسؤولية متولي الرقابة الذي تضمنته المادة 134 مدني أعقبه بنص المادة 135 مدني و خصصه لمسؤولية الأولياء و المعلمين و أرباب الحرف مع العلم أن مصدر المادة 135 هو الفقرة 4 من المادة 1384 من القانون المدني الفرنسي.

فمسؤولية متولي الرقابة في القانون المدني الجزائري يحكمها المبدأ العام المجسد في المادة 134 و التطبيقات الخاصة المنصوص عليها في المادة 135.

و تقوم مسؤولية متولي الرقابة على فكرة الخطأ المفترض القابل لاثبات العكس لذا نتناول حالات مسؤولية متولي الرقابة ثم نبحث في قرينة الخطأ المفترض و كيفية الإعفاء من هذه المسؤولية.

* حالات مسؤولية متولي الرقابة: مسؤولية متولي الرقابة طبقا لأحكام المادة 134 ق.م، يتجلى من هذا النص أنه في حالة ما إذا كان الشخص مكلفا برقابة شخص آخر سواء بحكم القانون أو الاتفاق يعد مسؤولا عن الأفعال الضارة التي يسببها من كان خاضعا لرقابته و تستلزم مسؤولية متولي الرقابة وفقا للمادة 134 توفر بعض الشروط إذا لمتحقق سوف ترتب ضده المسؤولية آثارها.

* شوط مسؤولية متولي الرقابة: يستخلص من المادة 134 أن مسؤولية متولي الرقابة تتحقق بتوفر شرطين هما:
- أن يتولى شخص الرقابة على شخص آخر كان بحاجة إلى رقابة.
- أن يصدر عمل غير مشروع من هو تحت الرقابة.

* الشرط الأول: عملا بالمادة 134 لا تترتب مسؤولية متولي الرقابة إلا إذا قام التزام على عاتق الرقيب الذي يتولى رقابة شخص يحتاج لهذه الرقابة التي يكون مصدرها القانون مثل: رقابة الولي أو الوصي.. أو التي يكون مصدرها الاتفاق مثل: أن يترك الشخص إبنه لجاره بسبب سفره إلى الخارج فهنا تنقل الرقابة بسبب الاتفاق و من جهة أخرى لابد أن يكون الشخص بحاجة إلى رقابة إما بسبب خصاله أو حالته العقلية أو الجسمية.

و إذا كانت حالة القصر و الحالة العقلية لا يثيران أي أشكال فالحالة الجسمية هي التي تثير نوعا من الغرابة، فماذا يقصد المشرع بالحالة الجسمية إذا أن و مناع التقصيرية هو الإدراك و التمييز فإذا كان الشخص مميز و لم يبلغ سن الرشد فهو يدخل ضمن حالة القصر و إذا كان راشدا وفقد تميزه بسبب عارض من عوا رض الأهلية، فهو يدخل ضمن الحالة العقلية، أما الحالة الجسمية فإذا كان المشرع يقصدها العاهة الجسمية و حكمها معروف في القانون المدني فالشخص المصاب بعاهة جسمية مزدوجتين له مساعد قضائي و يتجلى واضحا أن مناط المسؤولية المدنية هو الإدراك و ليس الحالة البدنية. فمسؤولية الرقيب لا تقوم إلا إذا كان هذا الأخير ملزم برقابة الشخص الذي يحتاج إلى الرقابة لأن وجود هذا الالتزام بالرقابة هو سبب مسؤوليته.

* الشرط الثاني:  لا بد أن يرتكب الخاضع للرقابة عملا غير مشروع.
- إذ يكون هذا العمل غير المشروع يتجسد فيه الإخلال بالالتزام بالرقابة،    و طبقا للمادة 134 يستوي أن يكون مرتكب الفعل الضار مميزا أو غير مميز و إذا كان الخاضع للرقابة غير مميز فإن تعديه الفعل المادي يكفي لوحده لتحقيق العمل غير المشروع. فإذا تحقق الشرطان السالفان ذكرهما تحققت مسؤولية متولي الرقابة التي ترتب آثارها:

* آثار مسؤولية الرقابة: لقد كرست المادة 134 نظام المسؤولية في فائدة المضرور و لهذا الصدد لابد أن نأخذ بعين الإعتبار وضعية الخاضع للرقابة إن كان مميزا أو غير مميز.

* الخاضع للرقابة و هو مميز: من المعلوم أن القاصر هو كل من بلغ سن القصر و لم يبلغ سن الرشد 19 سنة و طبقا للمادة 134 فإن حالة القصر سبب من أسباب الرقابة بمعنى أن القاصر المميز له شخص يتولى رقابته و يعد مسؤوله المدني عند ارتكابه لعمل غير مشروع و بالتالي فإذا كان الخاضع للرقابة قاصرا مميزا فيكون المضرور أمام اختيارين لرفع دعوى التعويض.

* الاختيار الأول: للمضرور إن شاء أن يرفع دعوى التعويض مباشرة على القاصر المميز وحده وذلك استنادا لأحكام المادة 125/1 التي تناولت المسؤولية عن الفعل الشخصي كون أن الشخص المميز يمكن أن يسأل مسؤولية شخصية و إذا اختار المضرور هذا الطريق وجب عليه أن يثبت الخطأ في جانب المميز لأن مسؤوليته مبنية على الخطأ الواجب الإثبات.

* الاختيار الثاني: للمضرور أن يرفع دعوى التعويض على متولي الرقابة باعتباره المسؤول المدني عن الشخص القاصر المميز و ذلك طبقا للمادة 134 و إذا سلك المضرور هذا الطريق أي أقام الدعوى على متولي الرقابة يجب عليه أن يدخل في خصال الخاضع للرقابة.
- و ما تجدر الإشارة إليه أن هذا الاختيار الثاني يعفي المضرور من إثبات الخطأ في جانب متولي الرقابة.

* الخاضع للرقابة و هو غير مميز: إذا كان الخاضع للرقابة غير مميز ففي هذه الحالة على المضرور أن يرفع دعوى مباشر على متولي الرقابة باعتباره المسؤول المدني.

و لكن ما تجدر الإشارة إليه أنه إذا كان متولي الرقابة في حالة عسر أي غير قادر على تحمل التعويض فهنا بإمكان المضرور الاستناد على نص المادة 125/2 ليطالب عديم التمييز شخصيا بالتعويض.

* الحالة الثانية: مسؤولية متولي الرقابة طبقا للمادة 135
تناولت المادة 135 بعض التطبيقات الخاصة لمسؤولية متولي الرقابة و هي مسؤولى الأولياء مسؤولية المعلمين و مسؤولية أرباب الحرف.

و ما تجدر الإشارة إليه أن التطبيقات السالفة الذكر ذكرها المشرع على سبيل الحصر بمعنى أن تطبيق المادة 135 مقصور إلا على هذه التطبيقات دون غيرها    و خارج ذلك يتعين اللجوء إلى أحكام المادة 134.

* التطبيق الأول: مسؤولية الأولياء ( الأب و الأم ): تنص المادة 135 يكون الأب و بعد وفاته الأم مسؤولان عن الضرر الذي يحدثه أولادهم القصر الساكنين معهم هذه المسؤولية مبنية على الدور الذي يقوم به الأولياء و المتمثل في رقابة    و تربية أبنائهم و لقيام مسؤولية الأولياء لا بد من توفر الشروط التالية:

1 أن يكون الولد قاصرا فمسؤولية الأولياء لا تقوم إلا بالنسبة للأولاد القصر الذين لم يبلغوا سن الرشد و هذا ما يستخلص من نص المادة 135 كون أن القاصر يحتاج إلى رقابة.

و ما تجدر الإشارة إليه أنه إذا كانت المادة 135 تشير إلى القاصر فمن باب أولى فإن الولد غير مميز هو الذي لم يبلغ سن التمييز 16 سنة فهو أيضا يكون تحت كنف أوليائه.
2 أن يرتكب الولد القاصر عملا غير مشروع على غرار المادة 134 تشترط المادة 135 أن يرتكب القاصر عملا غير مشروع أضر بالغير.
3 أن يكون الولد القاصر ساكنا مع أبويه تؤكد المادة 135 على ضرورة توفر شرط المساكنة و ذلك بقولها الساكنون معهما.

و الحقيقة أن هذا الشرط هو الذي يبرر مسؤولية الأولياء فمدام أن الولد يسكن مع أبويه فانه يخضع لسلطة أبويه اللذان يتوليان مراقبته و تربيته فهذه المسؤولية تفترض رقابة لا يمكن القيام بها في غياب شرط المساكنة إذ ثبوت هذا الشرط تتوفر مسؤولية الأبوين.

فمثلا إذا غادر الولد القاصر منزل والديه لينتقل إلى منزل أحد أقاربه بمدينة أخر لمواصلة الدراسة فمما لا شك فيه أن مسؤولية والديه لا تقوم في حالة قيامه بأفعال ضارة و هو متواجد عند الغير. فإذا توفرت الشروط الثلاثة السالفة الذكر تثبت مسؤولية الأبوين و طبقا لنص المادة 135 فالمسؤول المدني الأول عن الولد القاصر هو الأب و بعد وفاته الأم، و ما تجدر الإشارة إليه أن تنص المادة 135 لا صيغة التي جاء بها قد يثير بعض الصعوبات التطبيقية كحالة الطلاق بين الزوجين و اسناد الحضانة للأم التي تغادر بيت الزوجية فيختل شرط المسألة و عليه كيف يمكن أن يحمل الأب المسؤولية المدنية عن فعل إبنه الغائب عنه و هو غير قادر على ممارسة واجب الرقابة كما ينبغي. و نحن نرى أنه في حالة اختلال شرط المسألة لسبب مشروع يجعل الأب غير قادر على ممارسة واجب الرقابة فالمسؤولية هنا تقع على عاتق الشخص الذي كان يراقب الولد وقت إرتكابه للعمل غير المشروع، وهذا بالإستناد على المادة 134 التي تشمل حالات متولي الرقابة خارج التطبيقات الخاصة المذكورة في المادة 135.

* التطبيق الثاني:
- مسؤولية الأولياء: حملت المادة 135 ق م المعلمين و المربية مسؤولية مدنية مماثلة لمسؤولية الأولياء و هذا ما يستخلص من المادة 135 بقولها المعلمون والمربون مسؤولون عن الضرر الذي يسببه تلاميذتهم عندما يكونون تحت رقابتهم.

من خلال هذا النص يتجلى أنه لقيام مسؤولية المعلمين لا بد أن يكون المعلمون و المربون مكلفون بمراقبة التلاميذ و أن يحدث التلميذ ضرار للغير عندما يكون تحت رقابة معلمه أو مربيه.

* المقصود بالتلميذ: التلميذ هو كل طفل يزال دراسة في المدرسة بمختلف أطوارها أي من التعليم الأساسي إلى التعليم القانوني لأن خلال هذه المرحلة الدراسية يكون التلميذ أثناء تواجده بالمدرسة أو الثانوي تحت رقابة المعلم و بالتالي لا يهم إن كان الولد مميز أو غير مميز لأن مرحلة الدراسة الأولى تفترض حتما أن يكون الولد غير مميز فإذا أحدث التلميذ ضرار بالغير وقت وجوده بالمدرسة و تحت رقابة المعلم إفترض أن هذا الأخير قد أخل بالتزام الرقابة و تستوجب مسؤوليته،    و إذا تحققت مسؤولية المعلم فإن الدولة هي التي تحل محل المعلم و ذلك طبقا للفقرة 1 من المادة 135 بمعنى أنه على المضرور أن يقيم دعوة تعويض على الدولة      و هي وزارة التربية و ليس على المعلم شخصيا، و بما أن الدولة هي شخص معنوي فالاختصاص القضائي لرفع الدعوى يؤول للقضاء الإداري و ليس القضاء العادي ( أي الغرفة الإدارية الكائنة بمقر المجلس الذي يقع في دائرة إختصاص الفعل الضار).

* التطبيق الثالث: مسؤولية الحرفيين من الأفعال الضارة للمتمرنين
طبقا لنص المادة 135 يكون الحرفي مسؤولا عن الأفعال الضارة التي يحدثها المتمرنون عندما يكونون تحت رقابتهم.

* المقصود بالحرفي: و لو أن المادة 135 لم تعرف الحرفي إلا أنه ما يأخذ بعين الاعتبار في تحديد صفة الحرفي هي وظيفة التعليم و التكوين و ما يفسر ربط المشرع في المادة 135 المعلمين بالحرفين إذ أن التعليم العام و التكوين الحرفي هو الخط المشترك بين المعلم و الحرفي و مع ذلك حدد المشرع الحرفي في المادة 10 من الأمر رقم 96/01 المؤرخ في تاريخ 1996.01.10 المتعلق بالقواعد التي تحكم الصناعات التقليدية و الحرفية.

* المقصود بالمتمرن: و هو كل شخص يتلقى تكوينا مهنيا و حرفيا من قبل الشخص الحرفي و ذلك بموجب عقد تمهين و هذا العقد هو الذي يحدد العلاقة بين الحرفي و المتمرن. و لقيام مسؤولية الحرفي لا بد أن يحدث المتمرن ضرار للغير وقت تواجده بمكان الحرفة إذ هنا يتجسد الالتزام بالرقابة للحرفي.

ثانيا: قرينة الخطأ و كيفية الإكفاء من المسؤولية: تقوم مسؤولية متولي الرقابة سواء المجسدة في المادة 134 أو في التطبيقات المنصوص عليها في المادة 135 على قرينة الخطأ المفترض القابل لإثبات العكس بمعنى أنه بمجرد وقوع العمل الغير مشروع من الشخص الموضوع تحت الرقابة أو من التلميذ أو من المتمرن فإنه يفترض أن متولي الرقابة أخل بواجب الرقابة فتترتب مسؤولياته لذا يقال أن مسؤولية متولي الرقابة تقوم على الخطأ المفترض لكن هذه القرينة قابلة لإثبات العكس بحيث يمكن لمتولي الرقابة أن ينفي الخطأ المفترض في حقه ليتخلص بذلك من المسؤولية و ذلك بإثباته أنه بذل العناية الواجبة في الرقابة كان يثبت أنه اتخذ كل الاحتياطات الأزمة لمنع وقوع الضرر و إما أن يثبت السبب الأجنبي الذي بموجبه يقطع علاقة السببية بين الفعل الضار و الضرر و هما ما نصت عليه المادة 135/2 بقولها لا يستطيع المكلف بالرقابة أن تخلص من المسؤولية إلا إذا أثبت ".

القسم الثاني: مسؤولية المتبوع عن أفعال تابعه ( م 136 137 ق م) 
إذا كان المضرور في ظل المسؤولية عن الفعل الشخص لا يتحصل على التعويض إلا بإثباته الخطأ في جانب المسؤولية، و في مسؤولية متولي الرقابة يستفيد المضرور أيضا من قرينة الخطأ المفترض و التي بإمكان متولي الرقابة نفيها فمسؤولية المتبوع عن أفعل تابعه تخرجنا تماما عن فكرة الخطأ لتدخلنا في مجال المسؤولية الموضوعية و قد نصت المادة 136 على مسؤولية المتبوع عن أفعال يقوم بها ليكون المتبوع مسؤولا عن الضرر الذي يحدثه تابعه بعمله الغير مشرع متى كان واقعا منه في حالة تأدية الوظيفة أو سببها.
و تقوم علاقة التبعية و لو لم يكن المتبوع حرا في اختيار تابعه متى كانت له عليه سلطة فعلية في رقابته و توجيهه.
و دراسة مسؤولية المتبوع على ضوء المادة 136 تفترض هنا البحث عن شروط هذه المسؤولية و الأساس القانوني لها.

* أولا: شروط قيام مسؤولية المتبوع: يستخلص من نص المادة 136 أنه لقيام مسؤولية المتبوع لا بد من توفر شرطين هما:
1 وجود علاقة تبعية بين التابع و المتبوع.
2 صدور عمل غير مشروع من التابع أثناء تأدية وظيفته أو بسبيها.

1 وجود علاقة تبعية بين التابع و المتبوع: قبل البحث في العلاقة التبعية يتعين علينا تحديد من هو المتبوع و من هو التابع.
المتبوع: هو الشخص الذي تكون له على شخص آخر سلطة بمقتضاها يكون الحق في أن يصدر إليه الأوامر و التوجيهات و مراقبته في تأدية ما يكلفه به، فصفة المتبوع تجسها فكرة السلطة و لو كانت فعلية كما ذهبت إلى ذلك المادة 136 ق.م.

التابع: هو الشخص الذي يخضع لسلطة المتبوع يتلقى منه الأوامر          و التوجيهات و حتى يكون المتبوع مسؤولا عن أفعال تابعه لا بد أن يتسبب هذا الأخير في ضرر للغير و هو تربطه علاقة تبعية وقت حدوث الضرر و من هنا يتجلى لنا أن جوهر تحريك مسؤولية المتبوع يكمن في قيام علاقة التبعية بين المتبوع و التابع و التي يجب تحديدها.

* علاقة تبعية: و قد عرفت المادة 136/2 العلاقة التبعية بنصها على ما يلي:
تقوم رابطة التبعية و لو لم يكن المتبوع حرا في إختيار تابعه متى كانت له عليه سلطة فعلية في رقابته و توجيهه.
كما تطرح أيضا مسألة السلطة الفعلية بعنصريها: الرقابة و التوجيه.

أ علاقة تبعية و حرية المتبوع في اختيار التابع: لقد ربط الفقه الكلاسيكي رابطة التبعية بحرية المتبوع في إختيار تابعه إلا أن الفقه الحديث رفض هذه الفكرة و قد كرس المشرع الجزائري اتجاه الفقه الحديث و ذلك بتثبيته قيام رابطة التبعية بين التابع و المتبوع و لو لم يكن هذا الأخير حرا في اختيار تابعه و لكن اشترط المشرع أن يكون المتبوع يتمتع بسلطة فعلية على تابعه.

ب علاقة التبعية و السلطة الفعلية للمتبوع على تابعه: طبقا لنص المادة 136/2 يكفي أن يكون للمتبوع سلطة فعلية على تابعه و تتحقق هذه السلطة كون  بمقدور المتبوع أعطاء الأوامر و التوجيهات للتابع و رقابته بمعنى، أن يكون للمتبوع سلطة إصدار الأوامر و التوجيه و الرقابة، فإذا تحققت علاقة التبعية فهي شرط ضروري لكنه غير كاف لقيام مسؤولية المتبوع إذ يشترط أيضا أن يرتكب التابع عملا غير مشروع.

2 أن يرتكب التابع عملا غير مشروع أثناء تأديه وظيفتها أو بسببها:
طبقا للفقرة 1 /136 يكون المتبوع مسؤولا عن العمل الغير مشروع الذي يرتكبه تابعه أثناء تأدية وظيفته أو بسببها.
يستخلص من هذه المادة أنه لابد أن يقترف التابع عملا غير مشروعا هذا من جهة و من جهة أخرى أن يقع هذا العمل الغير مشروع أثناء تأدية الوظيفة         أو بسببها.

أ عمل التابع عملا غير مشروع : لا تقوم مسؤولية المتبوع إلا بقيام المسؤولية الشخصية للتابع بمعنى أن الفعل الضار الذي يرتكبه التابع لا بد أن تتوفر فيه أركان المسؤولية عن الفعل الشخصي، و هنا ما تجدر الإشارة إليه أنه لا يشترط أن يتصف فعل التابع بالخطأ بل أن مجرد الفعل الصادر عن التابع و الذي يضربه الغير كاف لترتيب مسؤولية المتبوع إذ أن المادة 136/1 لم تشترط أن يكون فعل التابع خطأ و لكن المتبوع يتحمل مسؤولية تابعه بسبب التعدي فمن باب أولى أن يتحملها إن كانت نتيجة خطأ.

غير أن وقوع العمل غير المشروع من التابع لا يكفي أيضا لترتيب مسؤولية المتبوع إذ يشترط أن يقع هذا العمل غير المشروع أثناء تأدية الوظيفة أو بسببها.



ب إرتكاب التابع لعمل غير مشروع أثناء تأدية الوظيفة أو بسببها:
* الحالة الأولى: ارتكاب التابع عملا غير مشروع أثناء تأدية الوظيفة: في أغلب الأحوال فالعمل غير مشروع الذي يقترفه التابع يكون أثناء تأدية الوظيفة التي يحددها له مستخدمه، و يترتب على ذلك استبعاد تطبيق أحكام مسؤولية المتبوع عن كل ضرر الذي لا علاقة له بتنفيذ الأوامر و التوجيهات المسندة للتابع إذ أن رابطه التبعية بين التابع و المتبوع تخول لهذا الأخير سلطة الرقابة و التوجيه و بالتالي فكل الأضرار التي يسببها التابع و لا تكون ناتجة عن تنفيذ أو امر المتبوع و توجيهاته لا يتحملها المتبوع و تبقى عندئذ مسؤولية التابع شخصيا، إلا أن المادة 136 لم تقصر مسؤولية المتبوع على العمل غير المشروع للتابع أثناء تأدية الوظيفة بل وسعتها للعمل غير المشروع الذي يرتكبه التابع بسبب الوظيفة.

* الحالة الثانية: إرتكاب التابع عمل غير مشروع بسبب الوظيفة: يعتبر العمل غير مشروع قد ارتكبه التابع بسبب الوظيفة كلما ثبت أن العمل الغير المشروع غير مستقل عن وظيفة التابع بحيث يوجد عنصر يربط بينهما و في هذا الصدد يقول الأستاذ أنطوان فيلا في كتابه المسؤولية المدنية التقصيرية في القانون المدني الجزائري ما يلي: يكون العمل الغير مشروع قد وقع بسبب الوظيفة كلما استحال على المضرور التمييز بدقة بين صلاحيات التابع و ذلك بسبب عامل أو عنصر ربط هذا العمل الغير مشروع بالوظيفة ويقع على المضرور عبئ إثبات العلاقة بين العمل الغير مشروع و وظيفة التابع.

و لكن ما تجدر الإشارة إليه العمل الغير المشروع بسبب الوظيفة مصدره نص المادة 136/1 باللغة العربية، أما بالرجوع إلى نفس النص أي المادة 136/1 باللغة الفرنسية و هو الأصل يتجلى أن المشرع قد أخذ بالعمل الغير مشروع بمناسبة الوظيفة و الأمر يختلف في النصين لأن النص العربي الذي يأخذ بسبب الوظيفة إنه يصدق مجال تطبيق مسؤولية المتبوع في هذه الحالة لأنه يشترط علاقة ارتباط  وثيقة بين فعل التابع و الوظيفة، بينما النص الفرنسي الذي يأخذ بمناسبة الوظيفة فإنه يوسع كثيرا من مجال تطبيق مسؤولية المتبوع إذ كلما ثبت أنه لولى وظيفة التابع لما ارتكب العمل غير المشروع بمعنى أن الوظيفة هي التي سهلت للتابع ارتكاب العمل غير مشروع و أن هذا الاختلاف في النصين قد ينجر عنه أيضا اختلاف في الاجتهاد القضائي في تقرير مسؤولية المتبوع.

* ثانيا: أساس مسؤولية المتبوع: لقد تعددت الآراء الفقهية بشأن تأصيل هذه المسؤولية فهناك من أسسها على فكرة الخطأ المفترض و هناك من أسسها على فكرة تحمل التبعية و هناك من ذهب إلى القول أن هذه المسؤولية تقوم على فكرة النيابة أو فكرة الضمان.

* فكرة الخطأ المفترض: ما يستخلص من هذا الاتجاه أن مسؤولية المتبوع تقوم على مسؤولية الخطأ المفترض إذ يجب أن يرتكب التابع عملا غير مشروع يفترض أن المتبوع قد أخطأ إما بإختيار تابعه و إما في رقابته و توجهيه.

لكن يعاب على هذا الاتجاه أن المتبوع مسؤول عن فعل تابعه حتى و لو لم يكن حرا في اختياره هذا من جهة و من جهة أخرى أنه لو كانت مسؤولية المتبوع مبنية على الخطأ لكان بإمكان المتبوع أن ينفي عنه الخطأ كما هو الحال بالنسبة لمتولي الرقابة، إلا أن المتبوع لا يستطيع أبدا أن ينفي عليه المسؤولية إلا بنفي التابع.

* فكرة تحمل التبعة: وفقا لهذا الرأي تقوم مسؤولية المتبوع على فكرة تحمل التبعة بمعنى أنه مادام أن المتبوع يغنم ( يستفيد ) من نشاط تابعه فبالمقابل يسأل عن الأضرار التي يحدثها التابع للغير لكن ما يعاب على هذا الرأي أنه لو سأل المتبوع على أساس الغنم من نشاط تابعه فمن المفروض أن يسمح له أن ينفي مسؤوليته إذا أثبت أنه لم يغم شيئا من نشاط تابعه لكن المتبوع لا يستطيع ذلك.

* فكرة النيابة: يرى أصحاب هذا الإتجاه أن أساس مسؤولية المتبوع هو النيابة فالتابع حسب هذا الإتجاه هو ناجم عن متبوعه و بالتالي تنصرف أعمال التابع إلى متبوعه باعتباره هو الأصيل و ما يعاب على هذا الرأي أن النيابة لا تكون إلا في التصرفات القانونية و ليس في الأعمال المادية.


* فكرة الضمان: أسس بعض الفقهاء و منهم الفقيه موريس ستاك مسؤولية المتبوع على فكرة الضمان بمعنى إذا كان المتبوع يمارس نشاطه بواسطة تابعه فتكون مسؤوليته مباشرة كونه هو بمثابة كفيل التابع و دون أن يكون له حق الرجوع عليه و ما يعاب على هذا الرأي أن للمتبوع حق الرجوع على التابع بما دفعه عنه من تعويض و هذا ما أخذ به المشرع الجزائري في المادة 137 التي أقرت حق رجوع المتبوع على التابع.

و الحقيقة أن مسؤولية المتبوع هي مسؤولية عن فعل الغير بالمعنى الصحيح كون أن هذه المسؤولية تقوم على قرينة المسؤولية لا يمكن للمتبوع نفيها حتى بسبب أجنبي فمسؤولية المتبوع مرهونة بالمسؤولية الشخصية للتابع بمعنى كلما ثبتت مسؤوليته تحققت معها مسؤولية المتبوع و العكس صحيح و لهذا يقال أن مسؤولية المتبوع تقوم على قرينة المسؤولية.

* المسؤولية التقصيرية عن حراسة الأشياء بصفة عامة المادة:
تنص المادة 138 ق.م على كل من تولى حراسه الشخص و كانت له قدرة الاستعمال و التسيير و الرقابة يعتبر مسؤولا عن الضرر الذي يحدثه ذلك الشيئ.
و يعفي من هذه المسؤولية الحارس للشيئ إذا أثبت أن ذلك الضرر حدث بسبب لم يكن يتوقعه مثل عمل الضحية أو عمل الغير أو القوة القاهرة.
حدد هذا النص حكمين، الحكم الأول يتعلق بتحديد شروط مسؤولية الحارس عن فعل الشيئ الذي يكون تحت حراسته، أما الحكم الثاني يخص وسائل الإعفاء من المسؤولية و على هذا الأساس تتناول شروط مسؤولية الحارس ثم وسائل الإعفاء من هذه المسؤولية و في الأخير تدرس أساس هذه المسؤولية.
1 شروط مسؤولية حارس الأشياء: من خلال نص المادة 138/1 من القانون المدني يتجلى أنه لقيام مسؤولية الحارس عن فعل الشيئ الذي يكون تحت حراسته لا بد أن يقع الضرر بفعل الشيئ الذي يكون تحت الحراسة و عليه فإن عناصر هذه المسؤولية وجود الشيئى و هو أن يكون هذا الشيئ تحت حراسته و أن يقع الضرر بفعل هذا الشيئ.

أ و جود الشيئ: طبقا لنص المادة 138/1 لا تقوم المسؤولية عن الأشياء إلا إذا كان الضرر الذي وقع سببه تدخل الشيئ و يعني حتما أن يكون الشيئ موجودا.
و إذا كانت المادة لم تحدد مفهوم الشيئ إلا أنه من المتفق عليه أن الشيئ في المادة 138 هو كل شيئ مادي غير حي و ذلك بعض النظر عن صفته أو نوعه باستثناء الحالات التي تحكمها نصوص خاصة مثل حوادث المرور التي تخرج السيارة من مفهوم الشيء لأن حوادث المرور تخضع إلى القانون الخاص و هو الأمر رقم 74/17 الصادر قي 31 ديسمبر 1974 و الخاص بإلزامية التامين للسيارات و كذلك المادتين 139 و 140 اللتان تخرجان الحيوان و حركة العقار     و تهدم النباء من مفهوم الشيئ وفقا للمادة 138 إضافة إلى فعل الإنسان الذي لا يعتبر شيئ.

ب أن يكون الشيئ تحت حراسة الشخص: يتمثل هذا الشرط في المسؤولية عن الأشياء أن يكون الشئ تحت حراسة شخص لأن هذه المسؤولية مرتبطة بحراسة الشيئ لا الشيئ نفسه المقصود بالحراسة لقد ربط بعض الفقهاء فكرة الحراسة بالملكية و سميت هذه الحراسة بالحراسة القانونية و مفادها أن الشخص لا يعتبر حارسا للشيئ إلا إذا كان مالكا له و إذا كانت الحراسة القانونية توفر ضمانا للمضرور للحصول على تعويض من مالك الشيئ كون أن هذا المالك عادة معروفا، إلا أن الحراسة القانونية كانت محل انتقاد من قبل بعض الفقهاء الذين رؤوا أن الأخذ بها يؤدي في بعض الأحوال إلى مساءلة مالك الشيئ عن الضرر بالرغم من أن هذا المالك لم يكن حارسه وقت وقوع الضرر مثل سرقة شيئ من مالكه من طرف شخص و يحدث به ضرر للغير و من هنا يتجلى أن الحراسة القانونية قد تكون أحيانا لمالك الشيئ و هذا ما أدى إلى ظهور فكرة الحراسة المادية.

تتحقق الحراسة المادية بمجرد حيازة الشيئ التي تسمح للحائز بالسيطرة عليه سيطرة فعلية و لو لم تستند هذه السيطرة على حق يحميه القانون.

وقد إعتمدت محكمة النقض الفرنسية فكرة الحراسة المادية سنة 1941 بعد القضية الشهيرة التي تناولها القضاء الفرنسي و المعروفة بقضية دكتور فرنلي و بعد أن كرست محكمة النقض الفرنسي من خلال قضية دكتور فرنلي فكرة الحراسة المادية بدلا من الحراسة القانونية استبدل الفقه و القضاء الفرنسي مصطلح الحراسة المادية بمصطلح الحراسة المعنوية التي مناطها أو قوامها السيطرة على الشيئ       و سلطة الاستعمال و التسيير و الرقابة على هذا الشيئ.
و قد تبنى المشرع الجزائري هذه الحراسة بعناصرها الثالثة و هي قوة الاستعمال و التسيير و قدرة الاستعمال و التسيير و الرقابة في المادة 138 فقرة (1).
و المقصود بإستعمال الشيئ هو استخدامه لتحقيق غرض معين و تقوم سلطة الاستعمال حتى و لو لم يمارسها الحارس فعلا. أما المقصود بالتسيير هو أن التوجيه و أما الرقابة فهي تعني رعاية الشيئ و فحصه.
و من خلال ما سبق ذكره فالحراسة طبقا للمادة 138 هي الحراسة المعنوية التي تمنح لحارس الشيئ السلطة الفعلية بحيث يستطيع أن يستعمله و يوجهه كيفما أراد.

* انتقاد الحراسة: بما أن الحراسة تخول للحارس سلطات الاستعمال        و التسيير و الرقابة فالأصل أن مالك الشيئ هو الذي يتمتع بذلك و بالتالي فهو المسؤول علما يحدث من ضرر للغير.

لكن هذه القرينة هي قرينة بسيطة يمكن للمالك أن يثبت أنه وقت وقوع الضرر بفعل الشيئ الذي يملكه لم يكن هذا الشيئ تحت حراسته، في هذه الحالة تكون الحراسة قد انتقلت إلى الغير سواء بسند شرعي أو غير شرعي و على المضرور أن يرفع دعوى ضد حارس الشيئ الذي عليه أن يثبت أن الشيئ قد انتقل إلى الغير وقت وقوع الضرر لينفي عنه المسؤولية التي سوف تقع على من انتقلت إليه الحراسة.

* أن يحدث الشيئ ضررا بالغير: لكي تتحقق مسؤولية حارس الشيئ لا بد أن ينسب الضرر الذي أصاب الغير إلى فعل الشيئ و هذا ما يتجلى من أحكام المادة 138/ 1 ق.م أما إذا كان الضرر من فعل الإنسان ففي هذه الحالة يتعين تطبيق أحكام المادة 124 ق م لكن لأنه مما لا يمكن القول عن ضرر ناتج عن فعل الشيئ.

لقد استقر الفقه و القضاء على أن الضرر يكون بفعل الشيئ متى كان الشيئ هو المولد للضرر و يتحقق هذا الأمر بتدخل الشيئ في إحداث الضرر و أن يكون له دور الفعال.

* تدخل الشيئ: يعد تدخل الشيئ في إحداث الضرر شرطا بديهيا لأن انعدام هذا الشرط يعفي حتما انتقاء العلاقة السببية بين الشيئ و الضرر الذي أصاب الضحية.

و يقصد بتدخل الشيئ في إحداث الضرر التدخل المادي و يعني الاحتكاك المباشر بين الشيئ و المضرور لأن هذا الاحتكاك هو الذي يفيد بصفة قطعية تدخل الشيئ في إحداث الضرر إلا أنه أحيانا قد يتحقق تدخل الشيئ دون وجود اتصال مادي و من غير أي إحتكاك و يتحقق ذلك إذا وقع الضرر بفعل من الشيئ أدى إلى إحداث الضرر من غير إحتكاك مادي و مثال ذلك كأن تقذف عجلة شاحنة أو سيارة حجارة تصيب زجاج سيارة كانت تسير خلفها فتصيب ركاب السيارة بأضرار.

* الدور الفعال للشيئ: لا ينفي أن يتدخل الشيئ في إحداث الضرر بل لا بد أن يلعب هذا الشيئ دورا فعلا و يكون للشيئ دورا فعلا إذا كان هذا الدور إيجابيا في تحقيق الضرر بمعنى أنه هو العامل المولد للضرر و لو لا تدخل الشيئ لما وقع الضرر و بالمقابل إذا كان الشيئ سلبي فعلا تقوم مسؤولية حارس الشيئ و ذلك لا نعدم علاقة السببية و فعل الشيئ.

و قد أستقر الفقه أن الدور الإيجابي للشيئ يتمثل في وجود رابطة السببية التي تدخل للشيئ و الضرر الذي وقع بحيث يكون فعل الشيئ منتج للضرر و طبقا للقواعد العامة للإثبات تتحمل الضحية عبء إثبات الدور الفعال للشيئ في إحداث الضرر.

2 وسائل الإعفاء من المسؤولية: إذا ثبت الضرر الذي وقع كان سببه الشيئ الذي كان تحت الحراسة فتفترض مسؤولية الحارس هذا ما يستخلص من أحكام المادة 138/1 ق م بمعنى أن مسؤولية الحارس مسؤولية مفترضة لكن ما هي قوة قرينة هذه المسؤولية ؟.

تتجلى قوة هذه القرينة كون أن حارس الشيئ لا يستطيع أن يتخلص من المسؤولية المفترضة إلا بوسيلة واحدة و هي أن يثبت السب الأجنبي المتمثل في القوة القاهرة و فعل الضحية و عمل الغير و هذا ما يستخلص من أحكام المادة 138/2 التي تنص يعفى الحارس من هذه المسؤولية إذا أثبت أن ذلك الضرر حدث بسبب لم يكن يتوقعه مثل عمل الضحية أو عمل الغير أو القوة القاهرة. و يشترط في السبب الأجنبي طبقا للمادة 138/2 أن يكون هذا السبب غير متوقع و غير ممكن الدفع، و خارج عن إرادة الحارس و عليه إذا كان فعل الضحية أو عمل الغير متوقعا فلا يعفي الحارس من المسؤولية و هنا يتجلى الفرق بين أحكام المادة 127 ق م و المادة 136/2 فالمادة 127 لا يشترط أن يكون فعل الضحية أو عمل الغير غير متوقعي للإعفاء المسؤولية، أما في المادة 138 فلا بد أن يكون فعل الضحية و عمل الغير غير متوقعي حتى يمكن للحارس دفع مسؤوليته.

3 أساس مسؤولية حارس الأشياء: يتجلى من خلال نص المادة 138 أن مسؤولية حارس الشيئ هي مسؤولية مفترضة كما سبق ذكره و بموجب هذه القرينة للمضرور أن يرفع دعواه ضد الحارس دون أن يكون ملزما بإثبات الخطأ في جانب الحارس يكفيه أن يثبت أن الضرر كان بفعل الشيئ الذي كان تحت الحراسة.

* أساس قرينة مسؤولية الحارس: مما لاشك فيه أن قرينة مسؤولية الشيئ   و هي المسؤولية المفترضة لا تقوم على الخطأ المفترضة لأنه لو كانت هذه القرينة مبنية على الخطأ لكان بإمكان الحارس أن ينفي عليه الخطأ و هذا ما لا يستطع الحارس القيام به، لذا أغلب الفقه الحديث أسس قرينة المسؤولية المفترضة على النظرية الموضوعية التي تأخذ بعين الاعتبار مركز المضرور و ليس وضع الحارس فالمضرور يستحق التعويض إذا أصيب بضرر بفعل الشيئ و هذه الفكرة مستخلصة من روح نص المادة 138 التي قضت بإفتراض مسؤولية كل من يتولي حراسة شيئ و قوام النظرية الموضوعية هي إما فكرة تحمل التبعة أو فكرة الضمان و هما الفكرتان التي سبق شرحهما في مسؤولية المتبوع.

* مسؤولية حارس الحيوان: نصت المادة 139 ق م أن حارس الحيوان     و لو لم يكن مالكا له مسؤول عما يحدثه الحيوان من ضرر و لو ظل الحيوان      أو تسرب ما لم يثبت الحارس أن الحادث كان بسبب لا ينتسب إليه من خلال نص المادة 193 يتجلى لنا أن المشرع أنا المسؤولية عن الحيوان بحارسه بدلا من مالكه و بذلك يكون القانون المدني الجزائري قد خالف القانون المدني الفرنسي الذي ربط مسؤولية الحيوان بمالكه لا بحارسه.

و ذلك طبقا لنص المادة 1385 من القانون م ف يلزم مالك الحيوان،        و تقتضي دراسة مسؤولية حارس الحيوان البحث عن شروطها المستخلصة من أحكام المادة 139 ثم تحديد أساسها القانوني.

* شروط مسؤولية حارس الحيوان: يتبين من نص المادة 139 أنه لقيام مسؤولية حارس الحيوان لا بد من توفر شرطين هما الأول يتولى الشخص حراسة الحيوان و الثاني أن يحدث الحيوان للغير ضرار.

* الشرط الأول: أن يتولى الشخص حراسة الحيوان: يقتضي هذا الشرط تحديد المقصود بالحيوان ثم تحديد المقصود بالحراسة.

أ)- المقصود بالحيوان: يدخل في مفهوم الحيوان طبقا للمادة 139 كل أنواع الحيوانات الأليفة أو المفترسة سواء كانت كبيرة أو صغيرة بشرط أن تكون مملوكة و تستبعد الحيوانات الغير مملوكة لشخص ما.

ب) المقصود بالحراسة: يراجع مفهوم الحراسة في مسؤولية الأشياء طبقا للمادة 138 بحيث بدلا من الشيئ نقول حيوان.
* الشرط الثاني: أن يحدث الحيوان الضرر للغير: لكي تقوم مسؤولية حارس الحيوان لا بد أن يقع الضرر للغير بفعل الحيوان الذي يكون تحت حراسة الشخص المسؤول عنه و هذا ما يقتضي أن يكون تدخل الحيوان تدخلا إيجابيا و إلا فلا مسؤولية على حارس الحيوان.

2 الأساس القانوني لمسؤولية الحيوان: لقد تأثرت مسؤولية حارس الحيوان بالتطور الذي وصلت إليه المسؤولية عن الأشياء و ذلك من حيث فكرة الحراسة أو من حيث تدخل الشيء، و عليه فالمتضرر من فعل الحيوان يجب عليه أن ثبت أمرين:
1 الحيوان كان تحت الحراسة و بالتالي ترفع الدعوى ضد الحارس.
2 أن يثبت المضرور أن الضرر الذي أصابه قد حدث بفعل الحيوان الذي كان له دورا إيجابيا.

و إذا أثبت المضرور هذين الأمرين تفترض مسؤولية حارس الحيوان و هي قرينة قانونيه قائمة لا يكن إثبات عكسها و لا يمكن لحارس الحيوان أن يتخلص منها إلا إذا أثبت أن الضرر هو وقع بسبب أجنبي و هذا ما يستخلص من المادة 139.

و ما تجدر الإشارة إليه أيضا فعل الضحية أو عمل الغير يجب أن يتصف بأوصاف السبب الأجنبي بمعنى أن يكونين غير متوقعين و غير قابلين للدفع.

* المسؤولية عن تهدم البناء: نصت الفقرة 2 م 140 ق م مالك البناء مسؤول عما يحدثه إنهدام البناء من ضرر و لو كان الإنهدام جزئيا ما لم يثبت أن الحادث لا يرجع السبب إلى إهمال في الصيانة أو قدم في البناء أو عيب فيه.

و يجوز لمن كان مهددا بضرر يصيبه من البناء أن يطلب المالك اتخاذ ما يلزم من التدابير الضرورية للوقاية من الخطر، فإن لم يقم المالك بذلك جاز الحصول على إذن من المحكمة باتخاذ هذه التدابير و على حسابه و عادة ما يكون هذا بأمر على العريضة.

و ما تجدر الإشارة إليه أننا نستبعد دراسة الفقرة 2 من م 140 و الخاصة باتخاذ التدابير الضرورية للوقاية من تهدم البناء لأنها لا تتناول المسؤولية عن تهدم البناء بقدر ما تتناول وقاية الضرر بحسب المال.

و تعتبر المادة 1386 ق م الفرنسي مصدر الفقرة 2 للمادة 140 و أن دراسة المسؤولية عن تهدم البناء تقتضي منا تحديد شروط هذه المسؤولية ثم البحث عن الأساس الذي تقوم عليه.

* أولا: شروط المسؤولية عن تهدم البناء: يستخلص من الفقرة 2 للمادة 140 أنه وقع الضرر بسبب تهدم بناء أو جزء منه ثبتت مسؤولية المالك و على هذا الأساس يجب تحديد مصدر الضرر، ثم الشخص المسؤول عنه.

1 مصدر الضرر: الضرر الذي يصيب المضرور يجد مصدره في تهدم بناء أو جزء منه مما يتعين تحديد معنى المصطلحين.
أ معنى البناء: البناء هو نوع خاص من العقارات و هو كل مجموعة من مواد بناء سواء كانت من حجارة أو خشب، حديد، إسمنت شيدها الانسان فوق الأرض و اتصلت بها و لا يهم الغرض الذي شيد من أجله البناء.
ب معنى التهدم: يقصد بالتهدم انهيار البناء الذي يسقط لذا فإن فكرة التهدم تفيد فكرة التحطيم المادي و الانهيار للمواد التي خصصت للبناء، فالمادة 140 فقرة 02 تطبق على الأضرار الناتجة عن هذا التحطيم و الانهيار و لا يهم أن يكون التحطيم كليا أو جزئيا.

2 الشخص المسؤول عن التهدم: لقد جعل القانون المدني الجزائري مالك البناء هو المسؤول عن تهدم البناء، و بذلك ساير القانون المدني الفرنسي و خالف القانون المدني المصري الذي جعل حارس البناء هو المسؤول عن تهدمه و ليس مالكه و هذا ما أقرت به المادة 177 ق م المصري و عليه يتعين عن المضرور إقامة دعوى التعويض على مالك البناء و ذلك طبقا للمادة 140/2.


* ثانيا: أساس مسؤولية المالك على تهدم البناء: تقوم مسؤولية المالك عن تهدم بنائه على الخطأ المفترض و ذلك إنطلاقا من فكرة أن المالك الحريص لا يترك بناءه يتهدم و يسهر عليه حتى لا يصاب بأي عيب قد يؤدي إلى تهدمه إلا أن قرينة الخطأ المفترض هي قرينة بسيطة بحيث أجاز المشرع لمالك البناء أن يثبت عدم مسؤولية و ذلك بإثبات أن التهدم لا يرجع سببه لعيب في الصيانة أو قدم البناء أو عيب في البناء، و أمام هذا الوضع نقول أن مالك البناء ما عليه إلا أن يدفع مسؤوليته بإثبات السبب الأجنبي.

الضرر و علاقة السببية ركنان مشتركان لكل أنواع المسؤولية المدنية التقصير: بعد دراستنا للأنواع المختلفة للمسؤولية المدنية التقصيرية منها المسؤولية عن الفعل الشخصي و المسؤولية عن فعل الغير و المسؤولية عن الأشياء.
لكل نوع من هذه المسؤولية نطرق لشرح الضرر و علاقة السببية بإعتبارهما ركنين مشتركين لكل أنواع المسؤولية المدنية التقصيرية، و عليه نتناول الضرر ثم علاقة السببية.
1 الضرر: إن الهدف من إقامة المسؤولية المدنية هو جبر الضرر الذي يصيب الغير بحيث لا يكفي وقوع الخطأ لثبوت المسؤولية بل يجب أن يترتب على الخطأ ضرر لأنه الأساس و نتيجة المسألة عند غياب الخطأ، فإذا لم يتحقق الضرر فلا يمكن الإستجابة ليطلب المضرور الرامي إلى التعويض، فلا مسؤولية مدنية ما لم يوجد ضرر و تتجلى أهمية الضرر من زاويتين هما: 
أ أن التعويض يكون بمقدار الضرر لذا يعد الضرر الركن الثاني في المسؤولية المدنية.
ب تطور المسؤولية المدنية هو الذي زاد من حالة الضرر التي أصبحت المسؤولية المدنية تقوم عليه أحيانا بدلا من الخطأ بمعنى أصبح الضرر أحيانا هو أساس المسؤولية المدنية (المسؤولية المدنية الموضوعية) و دراسة ركن الضرر تقتضي البحث عن مفهومه ثم شروطه.



* مفهوم الضرر:
أولا: تقتضي دراسة مفهوم الضرر البحث في تعريفه ثم أنواعه.

1 تعريف الضرر: تتفق التعاريف الفقهية التي عرفت الضرر بأنه الأذى الذي يصيب الشخص من جراء المحساس بحق من حقوقه أو بمصلحة مشروع له   و يستخلص من هذا أن الضرر يتمثل في الخسارة المادية أو المعنوية التي تصيب المضرور.

2 أنواعه: ينقسم الضرر إلى نوعين ضرر مادي و ضرر معنوي
و إذا كان الفقه متفقا بالاجماع على وجوب تعويض الضرر المادي فإن الضرر المعنوي هو الذي كان محل خلاف فتقضي بشأن التعويض عنه.

أ الضرر مادي: عرف جل الفقه أن الضرر المادي هو تلك الخسارة المادية التي تصيب المضرور نتيجة المساس بحق من حقوقه أو بمصلحة مشروعة له، و يثبت من هذا التعريف أن الضرر المادي تجسده الخسارة المالية التي تلحق بالمضرور فتنقص من ذمته المالية.
ب الضرر المعنوي: يجمع الفقه أن الضرر المعنوي هو ذلك الأذى الذي يصيب الشخص في سمعته أو شرفه أو عاطفته و دون أن يسبب له خسارة مالية    أو اقتصادية.

و على عكس الضرر المادي فلا يحدث الضرر المعنوي أي نقص في الذمة المالية و هذا ما أثار إشكالية التعويض عنه إذ في بداية الأمر عارض جانب من الفقه مبدأ التعويض عن الضرر المعنوية بحجة أن هذا الضرر لا يؤثر على الذمة المالية للمضرور في أي شيئ أما حاليا أجاز أغلب الفقهاء التعويض عن هذا الضرر المعنوي مثله مثل الضرر المادي.

و قد أخذت القوانين العربية بالتعويض عن الضرر المعنوي مثل القانون المدني المصري و كذلك القانون المدني السوري، و كذلك القانون المدني الليبي     و غيرها.

أما في القانون المدني الجزائر لا يوجد نص صريح يقضي بالتعويض عن الضرر المعنوي و هذا ما دفع بعض الشراح إلى القول لا يأخذ بالتعويض عن الضرر المعنوي.

و يرى الأستاذ علي سليمان أنه بالرغم من عدم وجود نص في القانون المدني يحيز التعويض عن الضرر المعنوي، إلا أن المشرع أجازه في بعض النصوص الخاصة و مثال ذلك المادة 5 فقرة 2 قانون الأسرة التي تجيز التعويض عن الضرر المعنوي المترتب عن فسخ الخطوبة، و هناك نصوص خاصة أخرى قضت بالتعويض عن الضرر المعنوي.

ثانيا: شروط الضرر: يشترط في الضرر باعتباره ركنا من أركان المسؤولية المدنية التقصيرية أن يكون محققا و مباشرا و شخصيا.

أ أن يكون الضرر محققا: لا يجوز للمضرور المطالبة بالتعويض إلا إذا كان الضرر الذي أصابه محققا بمعنى أنه قد حصل فعلا و تجسدت آثاره على الواقع و الضرر المحقق لا يشمل فقط الضرر الذي وقع فعلا بل يشمل أيضا الضرر المستقبلي ما دام أن وقوعه مستقبلا أمرا محقق، بمعنى أن الضرر المستقبلي هو الضرر الذي قامت أسبابه لكن تراخت كل نتائجه أو بعضها إلى المستقبل، أما إذا كان الضرر محتملا فلا يمكن المطالبة بالتعويض عنه لأنه لم يتحقق بعد و أن وقوعه هو مجرد إحتمال قد يتحقق و قد لا يتحقق.

أما تفويت الفرصة يجوز التعويض عنها لآن ضياع الفرصة في حد ذاتها  أمر محقق و لو أن النتيجة المترتبة عنها محتملة.

و ما تجدر الإشارة إليه أن الضرر المحقق يعوض عنه في المسؤولية التقصيرية سواء كان متوقعا أو غير متوقعا و ذلك على عكس المسؤولية العقدية التي لا يعوض فيها إلا عن الضرر المحقق و المتوقع.

ب أن يكون الضرر مباشرا: تنص المادة 182/1 ق م إذا لم يكن التعويض في العقد.
و طبقا لهذا النص فالضرر الذي يمكن التعويض عنه هو الضرر الذي يترتب مباشرة عن الخطأ أي الضرر المباشر و بالرجوع إلى نص المادة 182 نلاحظ أن المشرع وضع معيارا لتحديد الضرر المباشر، و يتمثل هذا المعيار في عدم استطاعة الدائن أن يتوقى الضرر يبذل جهد معقول، و عليه يمكن القول أن الضرر المباشر هو الضرر لا يمكن للدائن أن يتجنبه يبذل جهد معقول ويقاس هذا الجهد بمعيار الرجل العادي، بمعنى إذا تمكن الرجل العادي أن يتوقى الضرر بجهد معقول كان هذا الضرر مباشر و تعويض عليه و العكس صحيح.

ج أن يكون الضرر شخصيا: ليس للشخص أن يطلب التعويض عن ضرر لم يلحقه شخصيا إذا أن الخسارة المالية التي تلحق الشخص هي شخصية لذا يجب أن يكون الضرر شخصيا، و هنا تثار مسألة الضرر المرتد.

الضرر المرتد هو ذلك الضرر الذي تترتب عنه أضرار أخرى تصيب الغير مثل الضرر الذي يصيب الخلف بسبب قتل أو اعتداء على سلفه، بحيث كان هذا الخلف يعيش على نفقة ذلك السلف، و من ثم فإن وفاته تلحق خسارة بالخلف و ما تجدر الإشارة إليه أن معظم القوانين تجيز التعويض عن الضرر المرتد، إلا أن هناك خلاف من قانون إلى آخر في شكل الأشخاص أو درجة القرابة المشمولة بالتعويض على الضرر المرتد، فقد أقر القانون المدني المصري التعويض للأزواج و الأقارب إلى غاية الدرجة 2 فقط.








تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اوامر قاضي التحقيق في قانون الاجراءات الجزائية الجزائري

التحقيق و علم النفس الجنائي